ها هو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا، كمال كليجدار أوغلو، يواصل دفاعه عن الانقلابيين الديكتاتوريين. وخلال دعمه لهم لا يدري أنه يضرب بسياسات بلده طولًا وعرضًا، وأنه يضرب بالموقف الاستراتيجي والأخلاقي لتركيا عرض الحائط. لكن لماذا، ولأجل من، ولأي غرض استراتيجي يا ترى؟
لقد صرح كليجدار أوغلو مخاطبًا الحكومة "لماذا تتشاجرون مع مصر؟ النزاع مع مصر، يعني جرّ تركيا إلى الكارثة في شرق المتوسط". حينما يقول كليجدار أوغلو هذا الكلام في تركيا، إزاء شخص يحمل العداوة ضد تركيا ولا يفتر عن مهاجمتها، ويعقد اتفاقًا مع اليونان لأجل النكاية بتركيا فقط، على الرغم من أن هذا الاتفاق يضر بمصالح مصر، بل ويرسّم الحدود مع اليونان كذلك الأمر ويضحّي بقسم واسع من مياه مصر في البحر المتوسط فقط من أجل إظهار العداوة لتركيا ونكاية بها؛ فهل يحتاج السيسي إلى محام أفضل من كليجدار أوغلو يدافع عنه في تركيا؟.
قبل أن تسأل عن سبب التشاجر مع مصر، ألا يجب عليك السؤال أولًا عن الدوافع التي تجعل مصر في خصومة وعداوة من هذا النوع ضد تركيا، يا زعيم المعارضة؟ بينما يقوم كليجدار أوغلو بالوقوع في شراك العدواة ضد تركيا فقط من أجل أن يبدو معارضًا للحكومة، وأن يتقرّب من ديكتاتوريين يكنّون مشاعر البغض لبلده وشعبه، ألا يجب عليه أن يفكر إلى أين يمكن أن تسوق هذه الأمور حزبًا ديمقراطيًّا اجتماعيًّا يتزعمه؟.
أي نوع من الغفلة والجهالة حينما يختصر كليجدار أوغلو الخلاف مع مصر بقضية "الإخوان" فحسب؟ وكأن المسألة كلها "الإخوان" فقط، ويتعجب كليجدار أوغلو سائلًا؛ من هم الإخوان وهل يستحقون أن نعطّل علاقاتنا مع السيسي بسببهم؟ أما الذكاء السياسي الفريد الذي أظهره كليجدار أوغلو في هذه المسألة، فهو حينما اعتبر أن الإخوان بالنسبة لمصر كـ بي كاكا بالنسبة لنا.
إذن دعونا نذكّره بمن يكون السيسي ومن هم الإخوان.
من هو السيسي؟
إنه من بين الديكتاتوريين الأكثر دموية في التاريخ الحديث، انقلب مع عصابته على أول رئيس يتم انتخابه من قبل الشعب مباشرة للمرة الأولى في مصر، بعد أن عينه وزيرًا للدفاع، وقتل بوحشية ما لا يقل عن 3 آلاف من المدنيين الأبرياء في يوم واحد، لأنهم عارضوا انقلابه. إنه عبارة عن طاغية مثله مثل الديكتاتوريين الإرهابيين، ارتضى أن يصف جميع المعارضة المدنية الديمقراطية بالإرهاب، ويحول بذلك البلد إلى سجن مفتوح لا يترك فيه أي مجال لحقوق الإنسان.
ليس الإخوان فقط على قائمة الإرهاب بالنسبة للسيسي، بل جميع المعارضين كذلك الأمر. وحين الاطلاع على قائمة من رشحوا أنفسهم ضده في السباق على رئاسة الجمهورية، نجد أنهم جميعًا ليسوا من جماعة الإخوان، سواء رئيس الأركان السابق سامي عنان، والمستشار والرئيس السابق لجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، والرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، ورئيس الجامعة العربية السابق عمرو موسى، وعبد المنعم أبو الفتوح، وغيرهم. بل دعونا نسأل أين هؤلاء جميعًا الآن؟.
ليس الأمر بالنسبة لتركيا قضية إخوان وما شابه، إلا أن وضع جماعة الإخوان ومنظمة بي كا كا الإرهابية في الدائرة ذاتها، يعني مباركة مجازر السيسي وبطشه وانتهاكاته حقوق الإنسان خلال تعذيب المعتقلين، وانتهاك القوانين، كما أنه من جانب آخر يعني محاولة إضفاء الشرعية على بي كا كا ذاتها. عندما يتم اتهام أناس أبرياء بأنهم في خانة منظمة بي كاكا، مع العلم أن 3 آلاف شخص منهم قُتل في الميادين وعلى الرغم من ذلك كانوا يردّدون "سلميتنا أقوى من رصاصكم"، فهل هذا التشبيه يخدم الديكتاتوري الطاغية، أم بي كا كا، أم كليهما معًا؟.
وبما أن الموضوع قد فُتح فدعونا نضيف إليه التالي.
تتطلب المصالح التركية-المصرية أن يكون البلدان في تعاون وثيق مشترك فيما بينهما. وإن تركيا تعلم ذلك وتريد من "الدولة المصرية" أن تعي ذلك. لا داعي لأن تقوم مصر بالتضحية بحقوقها ومصالحها عبر اتفاقاتها مع اليونان والقبارصة الروم، فقط لأجل النكاية بتركيا، بسبب الخلاف الموجود بين مصر وتركيا. ولقد تم توصيل رسائل واضحة للغاية في هذا الصدد، وسيتم مواصلة إيصال تلك الرسائل.
على سبيل المثال، تركيا تختلف مع إيران بشكل عميق في العديد من المسائل بدءًا من سوريا إلى العراق وليبيا واليمن، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يكون هناك تعاون مشترك في بعض المسائل. كذلك الأمر مع العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، نجد أن تركيا تقف في سوريا ضد الولايات المتحدة أو ضد من تقوم بدعمهم وتشن عليهم حربًا، إلا أنها لا تزال تواصل التعاون الوثيق معها في مسائل أخرى. الأمر ذاته ينطبق على روسيا كذلك، القوات التي تدعمها روسيا في سوريا في حالة حرب مباشرة مع تركيا، إلا أن ذلك بأي حال لا يعيق ديمومة العلاقات الموجودة بين البلدين.
المسؤلون الذين يديرون مصر الآن بحاجة لفهم ذلك، لا يكمن لتركيا أن تتراجع عن موقفها ضد الانقلابيين ومعارضتها لانتهاك حقوق الإنسان، أما استقبالها لأشخاص لاذوا بها لاجئين لأسباب إنسانية فإن ذلك موقف مبادئ بالنسبة لتركيا لا يمكنها التراجع عنه. من المؤسف أن تكون منطقة الشرق الأوسط هي أكثر منطقة يتم فيها انتهاك حقوق الإنسان، إلا أنّ تركيا هي المكان الوحيد الذي يجد فيه اللاجئون متنفّسًا لهم. لا يمكن لتركيا أن تتخلى عن هذا الموقف الذي تقوم به نيابة عن العالم الإسلامي بأسره، ولا علاقة للأمر بالإخوان وغيرهم.
إن الذين يلجؤون إلى تركيا طالما أنهم لم يحملوا سلاحًا أو لم يشتركوا بعمل إرهابي ما، بل هربًا من الإعدام أو السجن بغير حق لمجرد آرائهم السياسية فقط؛ لا تنظر إليهم تركيا بالتالي على أنهم إخوان أو غير إخوان. والدليل على ذلك أنّ في تركيا الكثير الكثير ممن لجؤوا إليها ممن يحسبون على اليساريين والليبراليين وغيرهم.
ما يلزم على مصر وغيرها من الدول أن تظهر احترامها لقضية حقوق الإنسان في تركيا، وغيرها من المبادئ والقيم، وأن تعتبرها لصالحها كذلك الأمر.
الآن نسأل، بينما رسالة تركيا واضحة للغاية في هذا الصدد، فهل يوجد احتمال لأن تقوم مصر بإنهاء عداوتها لتركيا؛ العداوة التي تكلفها خسارة مصالحها الوطنية؟ ما هو المحور الذي تتحرك مصر باسمه الآن؟ هل تستطيع أن تتخذ قرارها بنفسها، وتطور سياساتها ضمن حرية واستقلالية؟ وبينما المحور الذي يقود مصر الآن هو محور الانقلابي السيسي، فكيف يمكن أن تجيب مصر على دعوات تركيا لإقامة تعاون؟. جميع هذه الأسئلة طُرحت على جميع الأطراف المعنية كما ينبغي، فليطرح كليجدار أوغلو أسئلته كيفما شاء.
يني شفق
تعليقات
إرسال تعليق