ولا يقتصر التخطيط لهذا التعديل، على مناقشاتٍ داخلية بين أجنحة دائرة السيسي. وتتكون هذه الأجنحة أساساً من الاستخبارات العامة، ممثلةً في رئيسها اللواء عباس كامل، ونجل السيسي، المقدم محمود، وثالث أضلاع الجناح الاستخباري المقدم أحمد شعبان، ومن جانب آخر فريق الرئاسة الذي يديره مدير مكتب السيسي، اللواء محسن عبد النبي، ويعاونه عددٌ من ضباط الجيش المنتقلين حديثاً للعمل بالرئاسة، بدلاً من الفريق الذي كان يعاون عباس كامل. كما تضم دائرة الرئيس، في جانبها الثالث، جناح المستشارين، اللواء أحمد جمال الدين، المستشار الأمني للسيسي والمتحكم في المنظومة الشرطية، والسفيرة فايزة أبو النجا، مستشارته للأمن القومي، فيما يتمثل الجناح الرابع في هيئة الرقابة الإدارية، وأخيراً عدد محدود من ضباط الجيش السابقين المقربين للسيسي على المستوى الشخصي، وتمّ استقدامهم للعمل في رئاسة الجمهورية كمستشارين متخصصين في ملفات بعينها من دون ظهور إعلامي.
وتتجه النقاشات إلى اعتبار أن الدستور بشكله الذي صدر فيه في العام 2014، ليس قابلاً للاستمرار، وهي رؤية السيسي الذي وجّه له انتقادات عديدة، ووصفه من قبل مراراً بـ"دستور النوايا الحسنة التي لا تكفي لبناء الوطن". وبناءً على ذلك، فإن تعديل هذا الدستور يتطلب مراحل عدة، تم إنجاز أولها العام الماضي، بإعادة تنظيم هيكل السلطتين التنفيذية والتشريعية كإتاحة بقاء السيسي في السلطة إلى العام 2030، وبسط سيطرته على القضاء واستحداث مجلس الشيوخ، فيما المرحلة الثانية آتية قريباً لا محالة، وستتضمن حذف وتعديل بعض المواد التي تشكل عبئاً على الممارسة العملية للنظام وتكبل سياساته، كما تسبب نوعاً من التناقض بين المواد القديمة والجديدة التي أدخلت في التعديل السابق.
وذكرت المصادر أن من بين المواد التي تتجه النقاشات لتعديلها، المادة 226 التي تنظم طريقة تعديل مواد الدستور، وتشترط تقديم التعديل من رئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس النواب، وأن يذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل. ويهدف ذلك لتخفيف الإجراءات المشترطة، وهي أن يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال 30 يوماً من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كلياً، أو جزئياً بأغلبية أعضائه. وإذا رُفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالي، وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد 60 يوماً من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال 30 يوماً من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذاً من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين في الاستفتاء.
والتعديل الأبرز المقترح في هذه المادة، هو حذف العبارة التي تنص على أنه "لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات"، وذلك لإتاحة الفرصة مبكراً لبقاء السيسي في الحكم لما بعد العام 2030، لأن هذه المادة هي التي تمنع تجديد الانتخاب لأكثر من مرتين، كما تمنع وضع قيود يراها النظام ضرورية على بعض مواد الحريات.
ومن بين المواد المقترح تعديلها أيضاً، المادتان 70 و71 اللتان تمنعان الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام أو مصادرتها أو إغلاقها أو وقفها، وتمنعان أيضاً توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية. وتعتبر المادتان حالياً معطلتين، وتخالفهما العديد من القرارات والأحكام الصادرة في القضايا خلال الفترة الأخيرة.
وتقترح المناقشات الدائرة أيضاً تعديلاً شاملاً للمواد المنظمة للمحليات، لتصبح متكاملة مع التشريع الذي سيصدر لتنظيم انتخاب المجالس المحلية واختصاصاتها، مع إباحة حلّ المجالس المحلية المنتخبة بقرار من رئيس الجمهورية، بعد استيفاء إجراءات حكومية معينة.
وذكرت المصادر أنه سيتم حتماً إلغاء عدد من المواد، على رأسها المادة 241 التي كانت تلزم مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد نفاذ هذا الدستور، بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يكفل كشف الحقيقة والمحاسبة، واقتراح أطر المصالحة الوطنية، وتعويض الضحايا، وذلك وفقاً للمعايير الدولية، والتي تجاهلها النظام لفصل تشريعي كامل.
وأوضحت المصادر أن تشكيل مجلس الشيوخ لن يكون له أي تأثير في عملية تعديل الدستور، لكن المناقشات حول التعديلات بدأت متزامنة مع الاستعدادات الرسمية لتشكيل القائمة الموحدة، واختيار مرشحي الأحزاب التابعة للاستخبارات والأمن الوطني، لافتة إلى أن تعديلات 2019 بدأ طرحها رسمياً في العام 2017، الأمر الذي يرجَّح معه استغراق عملية المداولة في التعديلات نحو عامٍ آخر.
وتخلو المواد المنظمة لمجلس الشيوخ في الدستور المعدل، من منحه أي سلطات مؤثرة، فهي تسند إليه "دراسة واقتراح ما يراه كفيلاً بتوسيد دعائم الديمقراطية ودعم السلام الاجتماعي والمقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والحقوق والحريات والواجبات العامة، وتعميق النظام الديمقراطي وتوسيع مجالاته". وتعتبر هذه مجموعة من الألفاظ العمومية والإنشائية الفارغة التي سبق تضمينها في دساتير سابقة، بلا أي مردود على حياة المواطن المصري. كما تنص المواد على أن يؤخذ رأي المجلس في الاقتراحات الخاصة بتعديل الدستور، ومشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومعاهدات الصلح، ما يعني أن صلاحياته تتوقف عند حدود إبداء الرأي لا أكثر.
ولا يدل على تهميش صلاحيات هذا المجلس الجديد أبلغ مما نصت عليه المادة 249 من أن يؤخذ رأيه في "مشاريع القوانين ومشاريع القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، وما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من مواضيع تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية"، ما يوضح أن صلاحياته ستكون أقل من مجلس الشورى في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، لأن دستور 1971، المعدل في العام 1980، كان يجعل عرض القوانين المكملة للدستور على مجلس الشورى إلزامياً، لكن الدستور الجديد يجعل هذا العرض اختيارياً.
ومنذ اقتراح إنشائه، ومن المتداول في الأوساط السياسية المصرية أن السبب الأساسي لتدشين مجلس الشيوخ هو مكافأة ومجاملة أكبر قدر من الأشخاص الذين يقدمون خدمات للنظام، لاستمرار استمالتهم والسيطرة عليهم، في محاولة لإعادة إنتاج تجربة مجلس الشورى في عهد نظام الرئيس المخلوع.
ويعكس ذلك رغبة النظام في تهميش دور هذا المجلس وإبقائه مجرد "مستودع للمجاملات"، على الرغم من أن ميزانيته لن تقل بأي حال عن 600 مليون جنيه (نحو 36 مليون دولار) سنوياً، بحسب مصدر حكومي مطلع، بالنظر للميزانية الحالية لمجلس النواب، وهي مليار و400 مليون جنيه، وعدد أعضائه الذي لن يقل عن 180 بموجب الدستور، بالإضافة لنحو 300 موظف كانوا قد انتقلوا من مجلس الشورى إلى مجلس النواب، وفي الغالب سيعودون مرة أخرى لمباشرة أعمالهم السابقة.
العربي
تعليقات
إرسال تعليق