أثار الهجوم على منشأة نطنز النووية الإيرانية الجدل حول من يقف خلفه، في حين تشير أصابع الاتهام إلى إسرائيل، وهو ما تفضحه تصريحات القادة الإسرائيليين وعدم رغبتهم في تطوير إيران مشروعها النووي.
باتت جميع أصابع الاتهام موجهة إلى إسرائيل في أي هجوم على منشآت ومواقع إيرانية سواء داخل إيران أو خارجها، وهو أمر لم يعد مستغرباً في ظل التهديدات المستمرة لقادة إسرائيليين ومخاوفهم الظاهرة من أي تقدم في المشروع النووي الإيراني، وسعي تل أبيب الدؤوب والعلني لضرب منشآت إيرانية في سوريا.
ونفت إسرائيل سابقاً مسؤوليتها عن الانفجار الذي وقع في محطة الزرقان بمدينة الأحواز، جنوب غربي إيران، وما تبع ذلك بعد ساعات قليلة، من تسريب لغاز الكلورين من مجمع بتروكيماويات أسفر عن إصابة العشرات، بالإضافة إلى الانفجار الضخم الخميس، الذي أدى إلى أضرار بالغة في أحد المباني التابعة لمنشأة نطنز النووية.
واستبعد وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الوزراء البديل، بيني غانتس، احتمالية ضلوع إسرائيل في هذه الهجمات، قائلاً: "ليس بالضرورة أن ترتبط كل حادثة في الداخل الإيراني بنا"، لكنه أكد أن دولته عازمة على منع إيران من أن تكون قوة نووية.
وجرت الحادثة باستخدام مواد متفجرة، بحسب مسؤول بالحرس الثوري الإيراني، قال لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية: إن "المحققين نظروا في احتمال إصابة نطنز بصاروخ كروز أو طائرة دون طيار، لكنهم رجحوا أن شخصاً ما حمل قنبلة إلى المبنى، ولم يُعرف حتى الآن كيف ومتى تسللت المتفجرات، إلا أن الهجوم أظهر بوضوح وجود مشكلة كبيرة في أمن المنشأة".
ورغم عدم وجود طريقة للتحقق من تورطها بشكل مستقل، فقد أظهرت المخابرات الإسرائيلية سابقاً قدرتها على ضرب قلب إيران، ففي عام 2018 قامت باقتحام مستودع في طهران وسرقة نصف طن من السجلات السرية التي توثق المشروع النووي الإيراني وتمكنت من إخراج السجلات من البلاد. وبعد ذلك قدم الموساد الإسرائيلي العديد من هذه السجلات للوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع العديد من الأدلة الجديدة التي أخفتها إيران عن المعدات والمواد الخام المحظورة.
خلافات إسرائيلية تكشف غموض الحادث
وتؤكد التناقضات الواضحة في التصريحات الإسرائيلية المساعى الإسرائيلية لوقف أي نشاط نووي إيراني، خاصة في هذه المنشأة التي تستخدم لتطوير وجمع أجهزة الطرد المركزي في إطار عملية تخصيب اليورانيوم، وهي خطوة مهمة في سبيل تطوير سلاح نووي.
من جانب آخر كشفت الخلافات الداخلية الإسرائيلية عن بعض الخيوط الغامضة بالحادثة حين صرح وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني أفيغدور ليبرمان، في حديث مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن مسؤولاً كبيراً في الأجهزة الأمنية صرّح بأن إسرائيل هي المسؤولة عن التفجير الذي شهدته إيران، الخميس، في منشأة نطنز النووية.
وطالب ليبرمان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بإسكات هذا المسؤول الكبير في الجهاز الاستخباري، والذي بدأ بذلك حملته لخوض الانتخابات المبكرة في حزب الليكود، تمهيداً لخلافة نتنياهو، بحسب ما نقله موقع صحيفة معاريف الإسرائيلية.
تصريحات ليبرمان وجهت أصابع الاتهام بشكل أو بآخر إلى رئيس الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، وهو ما أشارت إليه صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد نقلت عن مسؤول استخباري شرق أوسطي مطّلع، قوله إن إسرائيل هي المسؤولة عن الحادثة التي وقعت في منشأة نطنز النووية الإيرانية، عن طريق زرعها قنبلة في مبنى يتم فيه تطوير أجهزة طرد مركزي حديثة.
ونسبت الصحيفة إلى مسؤول في الحرس الثوري الإيراني قوله إن الحادثة جرت باستخدام مواد متفجرة.
من جانبه، رأى خبير استراتيجي إسرائيلي، أن على دولته أن تكون جاهزة لرد إيراني على التفجيرات والحرائق "مجهولة السبب".
وقال عاموس يادلين، مدير المعهد الإسرائيلي لخدمات الأمن القومي، عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر: "إذا اتُهمت إسرائيل من جانب مصادر رسمية إيرانية، علينا أن نكون جاهزين على الصعيد العملياتي لرد فعل إيراني محتمل، إما سيبرانياً أو عبر إطلاق صواريخ من سوريا أو عبر هجوم من خارج إسرائيل".
وأضاف في تغريدة أخرى: "يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان منشغلاً الأسبوع الماضي بإيران وليس بضم الضفة الغربية، هذه هي السياسة التي أنصح بها".
وبعد ساعات من الإعلان، نشرت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "إرنا" مقالاً حذرت فيه من أنه "إذا كانت هناك إشارات على عبور دول معادية لخطوط إيران الحمراء بأي شكل من الأشكال، وخاصة النظام الصهيوني (إسرائيل) والولايات المتحدة، فيجب إعادة النظر في استراتيجية إيران لمواجهة الوضع الجديد بشكل أساسي".
ونشرت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية صوراً يفترض أنها من موقع الحادث تظهر مبنى من دور واحد وسقفه مدمر، وقد اكتست حوائطه باللون الأسود من جراء حريق، واقتلعت أبوابه كما لو أن انفجاراً حدث بالداخل.
ماذا نطنز؟
وتظهر الأضرار المادية الجسيمة التي خلفها الحادث حساسية استهداف تلك المنطقة، ما من شأنه أن يبطئ عملية تصنيع أجهزة طرد مركزي متطورة لإنتاج اليورانيوم المخصب، ما يعني العودة بالبرنامج النووي للبلاد شهوراً للوراء، وهو ما أكده المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمال وندي الذي أكد أن السلطات المعنية قادرة على تجاوز ذلك.
وأضاف كمال وندي أنه ستتم إعادة بناء الجزء المتضرر بشكل أوسع لإنتاج أجهزة طرد أكثر تطوراً.
في السياق ذاته، نقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي: قوله أن "إيران ستستغرق بلا شك عدة أشهر لإعادة بناء منشأة نطنز النووية، وسيستغرق نصب أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي أنشأتها إيران في السنوات الأخيرة وقتاً طويلاً".
لكن الأكاديمي والباحث السياسي الإيراني حسين روي وران قال لـTRT عربي: إن "الحادث في منشأة نطنز لا يمكن أن يؤثر على تخصيب اليورانيوم، لأن المفاعل تحت الأرض، وما تعرض للتدمير هو ورشة على سطح الأرض مباشرة وكانت تنتج أجهزة طرد مركزي حديثة".
وأشار إلى أن المفاعلات يمكن أن تستمر في العمل من خلال الأجهزة القديمة، "لكن قد تتأثر بعض عمليات التحديث فقط".
وأوضح أن احتمال توجيه الاتهام لجهة ما وارد وقريباً، "قد يكون عملاً تخريبياً فعلاً أو عرضياً، كلا الاحتمالين وارد والباب مفتوح للاحتمالات بلا شك".
وحول توجيه بعض الجهات أصابع الاتهام إلى إسرائيل قال وران: "في الماضي ردّت إيران على أمريكا وقصفت قاعدة عين الأسد في العراق بالصواريخ، وهذا يعكس وجود إرادة إيرانية للرد على أي طرف يعتدي عليها، وعندما تقوم إيران بهذا العمل ضد أمريكا فإن إسرائيل أصغر من أمريكا بكثير".
وأضاف: "إذا ثبت أن إسرائيل وراء هذا الحادث فإن احتمالات الرد ستكون أقوى من قبل إيران".
ما هو مجمّع نطنز النووي؟
تقع منشأة "الشهيد أحمدي روشن" المعروفة بمنشأة ومجمع نظنز، تحت الأرض على بعد 220 كيلومتراً جنوب شرق طهران، وهي أهم موقع لتخصيب اليورانيوم في إيران.
يعد المجمّع أساسيا بالنسبة لبرنامج إيران النووي ويخضع لإجراءات أمنية مشددة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وبموجب بنود اتفاقها الذي أبرمته عام 2015 مع القوى الكبرى، وافقت طهران على وضع سقف لعمليات تخصيب اليورانيوم التي تقوم بها، والتي تقاس بوجود نظير اليورانيوم المشع (يورانيوم-235) -- عند 3,67 في المئة .
كما حدد الاتفاق النووي عدد أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول لتخصيب اليورانيوم عند 5060.
لكن بعد عام على انسحاب واشنطن بشكل أحادي من الاتفاق وإعادة فرضها عقوبات قاسية على طهران، بدأت الجمهورية الإسلامية التخلي تدريجياً عن التزاماتها.
ومنذ منتصف العام 2019، رفعت إنتاجها من اليورانيوم المخصّب إلى 4,5 بالمئة، وهي نسبة تستخدم في المفاعلات لكنها أقل بكثير من المستوى الضروري للاستخدامات العسكرية وقدره 90 في المئة.
كما أعلنت طهران أنها تعمل على تطوير أجهزة طرد مركزي أكثر فعالية ودون حدود
تعليقات
إرسال تعليق