في 4 أبريل/نيسان 2019، حينما كانت ليبيا تستعد لمؤتمر مصالحة وطنية تحت رعاية الأمم المتحدة، وكانت جميع الجماعات المسلحة في البلاد ملتزمة وقف إطلاق النار، جرّ الجنرال الانقلابي خليفة حفتر البلاد إلى موجة عنف إثر هجومه المفاجئ على العاصمة طرابلس بغية السيطرة عليها.
أُنهِكَت قوات حفتر، وتلقت خسارة تلو أخرى على أبواب طرابلس وفي أماكن أخرى كثيرة بعد 14 شهراً من إطلاق هجومه، ليلجأ بعد ذلك وقبله إلى العصابات المتمردة والمليشيات التي ستُتهم لاحقاً بتنفيذ إبادات جماعية، إضافة إلى المرتزقة الأجانب القادمين عن طريق روسيا من أجل سد النقص الحاصل بين قواته.
وحاول حفتر إظهار قواته ومرتزقته كجيش رسمي عبر إطلاق اسم "الجيش الوطني الليبي" عليها، واجتهد من أجل جمعهم من خلال وعود مثل الهيمنة والإيرادات غير القانونية، والتمويل الخارجي والغنائم.
الروس يرسلون مرتزقة من سوريا
في الآونة الأخيرة بدأت تتكشّف معلومات حول زيادة نشاط روسيا لنقل مرتزقة إلى ليبيا من المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد في سوريا، إذ سرّعت روسيا أبرز داعمي الأسد من عملية دعم صفوف حفتر بليبيا عبر مرتزقة جدد قادمين من سوريا، حسب ما نقلته وكالة الأناضول عن مصادر محلية.
وأرسلت موسكو إلى ليبيا نحو 300 مرتزق من مناطق سيطرة نظام الأسد في دير الزور شرقي البلاد، وهم في أغلبهم مقاتلون في صفوف ميليشيات "فاطميون" و"زينبيون" و"لواء القدس" المرتبطين بإيران، إضافة إلى عناصر ما يسمّى "الشبيحة"، مقابل مبالغ تتراوح بين ألف وألف و500 دولار شهرياً، حسب الأناضول.
وأشار تقرير مطوّل لوكالة الأناضول إلى أنه بين هؤلاء المرتزقة مقاتلون من إيران وأفغانستان، يُنقلون أولاً إلى القواعد الروسية في محافظة اللاذقية لتدريبهم، قبل نقلهم للقتال في صفوف مليشيات حفتر.
ومن بين المرتزقة الذين أرسلتهم روسيا إلى ليبيا، 8 عناصر سابقين في تنظيم داعش الإرهابي، انضموا لاحقاً إلى "لواء القدس" بموجب مصالحة مع النظام السوري، حسب معلومات لوكالة الأناضول نقلتها عن مصادر سورية.
ويُعتقد أن عدد المرتزقة الذين أرسلتهم روسيا للقتال مع حفتر من مناطق مختلفة من سوريا وصل إلى قرابة 2000 مقاتل.
وفي الآونة الأخيرة رصد خبراء تتبّع حركة الطيران، إقلاع طائرات ركاب وشحن تابعة لشركة "أجنحة الشام" المدرجة على قائمة العقوبات الأمريكية لعلاقتها بنظام الأسد، وهبوطها في قواعد جوية ومطارات عسكرية في مناطق سيطرة حفتر في ليبيا.
مرتزقة فاغنر
تعدّ شركة فاغنر الروسية التي تتدخل في ليبيا عبر آلاف من مرتزقتها، محل نقاش كبير، حيث يملكها يفغيني بريغوجين، المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وصاحب مطعم قصر الكرملين.
وتُعرف شركة فاغنر بالدعم الذي قدمته عبر مرتزقتها لموسكو لضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ودعم الانفصاليين في شرق أوكرانيا، كما تنفّذ أنشطة من خلال مرتزقتها في كل من سوريا وأوكرانيا وعدد من البلدان الإفريقية.
في هذا الصدد، ذكرت شبكة بلومبيرغ الأمريكية، نقلاً عن تقرير لخبراء أمميين، أن مرتزقة شركة فاغنر يواصلون أنشطتهم في دعم اللواء الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا، وأضافت أن في ليبيا أكثر من 1200 مرتزق لشركة فاغنر منذ 2018 وأن 39 منهم قناصون.
وأشارت الشبكة إلى أن المرتزقة الروس يقدمون دعماً مباشراً لحفتر في العمليات العسكرية الميدانية وعبر الدعم الفني، ولفتت إلى أن مؤسسة مرتبطة بشركة فاغنر تقود حملة واسعة ومتطورة على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف "خلق رأي عامّ لصالح حفتر في ليبيا".
وكانت أنشطة مرتزقة شركة فاغنر لفترة طويلة خفية لا تتعدى كونها ادعاءات، وأن دعم الشركة لحفتر في الميدان رجح كفة ميزان القوة لصالح الجنرال الانقلابي، إلا أن الخسائر التي لحقت بمليشيات حفتر مؤخراً ومشاهد انسحاب آلاف من مرتزقة فاغنر بأسلحتهم الثقيلة من أطراف العاصمة الليبية طرابلس، أظهرت حقيقة أنشطة مرتزقة فاغنر في ليبيا بجلاء.
وحسب المشاهد التي صوّرها فريق وكالة الأناضول، في المناطق التي انسحبت منها مليشيات حفتر، ظهرت فاعليات مرتزقة فاغنر بوضوح من خلال كتابتهم كثيراً من الملاحظات العسكرية باللغة الروسية على جدران منازل الليبيين، إلى جانب كتب باللغة الروسية، ومنتجات ومستلزمات روسية الصنع.
وأعربت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية مؤخراً، عن بالغ قلقها إزاء وجود مرتزقة روس ومن جنسيات أخرى، في حقل الشرارة النفطي جنوبي البلاد، وأكدت أنها تملك مشاهد مصورة وتسجيلات صوتية حول دخول المرتزقة إلى الحقل النفطي.
من جهتها أعربت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" الشهر الماضي، عن قلقها إزاء إدخال روسيا مقاتلات إلى ليبيا، معتبرة أن ذلك يغير طبيعة النزاع ويعرض المدنيين للخطر.
وأكدت أفريكوم في بيان، أن المقاتلات الروسية اتضح دخولها الأجواء الليبية نهاية مايو/أيار الماضي، وأشارت إلى أنها "تعمل بنشاط".
وقالت: "استُخدمت الطائرات الروسية لدعم الشركات العسكرية الخاصة التي ترعاها حكومة موسكو، ولدى القيادة الأمريكية صور تؤكد إقلاع طائرة روسية من قاعدة الجفرة الجوية قرب مدينة سرت الليبية".
مليشيا جنجويد ومرتزقة سودانيون
أشار عدد من التقارير الإعلامية والتصريحات الرسمية إلى أن مرتزقة جنجويد، المتهمين بارتكاب إبادة جماعية إبان الحرب الأهلية في منطقة دارفور غربي السودان، يتقدمون صفوف القتال إلى جانب خليفة حفتر في ليبيا.
وأكد وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا أن حفتر منح دولة الإمارات قاعدة عسكرية في بلاده، وقال إن المقاتلين الأجانب المنتمين إلى ميليشيات جنجويد والمتمردين التشاديين حاربوا جنباً إلى جنب في الجبهات.
كما أظهرت تقارير مجلس الأمن الدولي أن في الساحة الليبية عديداً من المقاتلين القادمين من دارفور، على الرغم من أن حفتر نفى وجود مقاتلين أجانب في صفوفه، فقد أوردت التقارير اعتماد حفتر على المتمردين المسلحين القادمين من دارفور لتأمين منطقة الجفرة إلى جانب أنشطته في منطقة الهلال النفطي.
ولوحظ أيضاً أن المتمردين الدارفوريين، الذين وصلوا إلى مزيد من الأسلحة والموارد في ليبيا، شاركوا في أنشطة مثل تجارة الأسلحة والاتجار بالبشر، حسب ما نقلته وكالة الأناضول.
وفي مواجهة تزايد طرح قضية المقاتلين السودانيين في ليبيا على الصعيد الدولي، أعلنت الحكومة السودانية إلقاءها القبض في الآونة الأخيرة على 122 مرتزقاً يستعدون للتوجه إلى ليبيا للمشاركة في المعارك هناك.
ووظفت شركة بلاك شيلد الأمنية التابعة للإمارات التي تُعتبر أبرز داعمي حفتر مالياً وسياسياً وعسكرياً، سودانيين عبر وعدهم بالعمل في شركات أمنية في الإمارات.
وبعد أن اعترض السودانيون الذين نُقلوا إلى ليبيا على الوضع وعادوا إلى بلدهم، بذلت الإمارات جهوداً لتجنيد مرتزقة جدد من السودان.
كتيبة النداء والسلفيون المَداخلة
يدّعي السلفيون المَداخلة، الذين يتبنون رؤية متطرفة للإسلام، ضرورة طاعة الحكام، ويرون في المملكة العربية السعودية حاكماً، لهذا يقاتلون في صفوف حفتر المدعومة من الرياض.
ونجد بين أبرز هذه الجماعات المسلحة ذات التوجه السلفي المَدخلي "كتيبة النداء"، التي يرأسها محمود الورفلي، الذي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حقه لارتكابه جرائم حرب.
وفي تجاهل للقانون الدولي، أعلن حفتر العام الماضي ترقية الورفلي من رتبة رائد إلى مقدم ضمن ميليشياته، ردّاً على مذكرة التوقيف الصادرة بحقه.
ويُتهم محمود الورفلي وقواته بتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء لعشرات الأشخاص الذين ظهروا في مقاطع مصورة معصوبي الأعين في ليبيا.
وحدات الكانيات القَبَلِية
في 5 يونيو/حزيران الماضي، وبعد أن تمكن الجيش الليبي من تحرير مدينة ترهونة، التي كانت تستخدمها مليشيات حفتر مركزاً للعمليات والإمداد في هجماتها ضد العاصمة طرابلس، عُثر على مئات الجثث في مستشفى المدينة، وفي حاوية تابعة للمستشفى، وفي بئر مياه بالقرب من المدينة.
بعد ذلك ظهر المشهد الأكثر رعباً في المدينة مع عمليات حفر القبور الجماعية، التي بدأها فريق الطب الشرعي في إطار التحقيقات التي فتحها قسم البحث الجنائي التابع للحكومة الليبية، وانتُشلت جثث وبقايا عائدة إلى 30 شخصاً في أثناء أعمال البحث والانتشال من أرض زراعية في المدينة.
قاد البحث والتدقيق إلى اكتشاف دور عصابة قَبَلِية تُدعى وحدات الكانيات، قاتلت ولا تزال إلى جانب حفتر، على الرغم من تجريمها بعد اتهامها بارتكاب أعمال غير قانونية وانتهاكات لحقوق الإنسان، والاستهداف العشوائي للقبائل والعائلات التي رأوا فيها منافساً أو عُدُّواً من المعارضين، إبان سيطرتهم على ترهونة.
تعليقات
إرسال تعليق