بعد عقودٍ من المطالبات الشعبية والمداولات السياسية، أبطلت المحكمة الإدارية العليا في تركيا قراراً قديماً أصدره مجلس الوزراء عام 1934 بتحويل "آيا صوفيا" إلى متحف، ما فتح الباب أمام عودته إلى جامع، في قرارٍ تاريخي اعتبره الكثير من الأتراك نصراً معنوياً وسياسياً.
وخلال الفترة التي سبقت الإعلان عن قرار المحكمة الإدارية العليا وحتى موعد إقامة أول صلاة في مسجد "آيا صوفيا" لأول مرة منذ 86 عاماً، تعمّد السياسيون الأتراك إرسال العديد من الرسائل السياسية والمعنوية والرمزية لإخراج هذا الحدث بأقوى صورةٍ ممكنة.
فيما يلي نستعرض أهم الرسائل السياسية والمعنوية التي أرسلتها أنقرة:
1- موعد خطاب أردوغان عن عودة "آيا صوفيا" جامعاً
في يوم 10 يوليو/تموز 2020، أعلنت المحكمة الإدارية العليا في تركيا قرارها ببطلان القرار الذي أصدره مجلس الوزراء في عام 1934، والذي يقضي بتحويل "آيا صوفيا" من جامعٍ إلى متحف.
ورغم أن قرار المحكمة الإدارية العليا جاء في وقت الظهيرة، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اختار تأجيل خطابه المتلفز إلى الساعة 20:53 (08:53 مساءً) تحديداً، في إشارة رمزية إلى أن العام 2053 الذي سيصادف الذكرى الـ 600 لفتح القسطنطينية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح.
2- اختيار موعد إعادة افتتاح "آيا صوفيا" كمسجد
رغم أن قرار المحكمة العليا صدر في 10 يوليو/تموز 2020، فإن الرئيس أردوغان حدد يوم 24 يوليو/تموز دوناً عن غيره من الأيام لإقامة أول صلاةٍ في الجامع التاريخي.
لماذا هذا التاريخ تحديداً؟ لأن يوم 24 يوليو/تموز 1923 شهد توقيع مؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك معاهدة لوزان مع كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا ويوغوسلافيا السابقة.
يعتبر الأتراك معاهدة لوزان نصراً كبيراً لدولتهم؛ فبموجبها أُبطلت معاهدة سيفر التي وقعتها الدولة العثمانية في أسوأ أيامها، ورسّمت تركيا حدودها الحالية بعدما طردت اليونانيين والبريطانيين والفرنسيين والأرمن من أجزاءٍ واسعة من الأناضول في حروب التحرير التي قادها أتاتورك، واستعادت تراقيا الشرقية (الجزء الأوروبي من تركيا).
وبموجب نفس المعاهدة، ضمت تركيا أراضي واسعةً في حدودها الجنوبية، واستعادت مناطق غازي عنتاب وكهرمان مرعش وأورفا ومرسين وأضنة وديار بكر وماردين وغيرها من المناطق التي وضعها الفرنسيون ضمن الأراضي السورية عند تقاسمهم تركة الدولة العثمانية مع حلفائهم البريطانيين.
3- لون السجّاد المستخدم في مسجد "آيا صوفيا"
أُوكلت مهمة صناعة السجاد المستخدم في جامع "آيا صوفيا" لمعمل تاريخي يقع بضاحية ديميرجي التابعة لولاية مانيسا (غرب تركيا).
رئيس مجلس الإدارة رضا أوزكول قال إنه عند طرح الخيارات المناسبة للون السجاد كان هناك 3 ألوان مقترحة هي: البوردو، والكرزي، والتركوازي، "لكننا صنعنا اللون التركوازي بناءً على طلب الرئيس رجب طيّب أردوغان".
فلماذا اختار أردوغان هذا اللون تحديداً؟ ببساطة، لأن للون التركوازي رمزيةً تاريخيةً لدى الأتراك.
فبحسب مستشرقين فرنسيين؛ يطلق اسم "تركواز" على اللون الفيروزي لأن الأتراك هم من جاؤوا بحجر الفيروز الكريم من بلاد فارس إلى أوروبا. فكلمة "ترك" تعني الأتراك، فيما تعني كلمة "واز" لون. وبالتالي تصبح ترجمة كلمة "تركواز": اللون التركي.
وقد استخدم العثمانيون هذا اللون في الكثير من مساجدهم ومبانيهم القديمة، فأصبح اللون التركوازي أو الفيروزي مرتبطاً بهم.
4- تاريخ ميلاد حساب "آيا صوفيا" على تويتر
وضع القائمون على حساب جامع "آيا صوفيا" على تويتر تاريخ 29 مايو/أيار في خانة تاريخ ميلاد صاحب الحساب. ويصادف هذا التاريخ يوم دخول السلطان محمد الثاني بجيوشه إلى القسطنطينية فاتحاً، وتحويل كنيستها الرئيسية إلى جامع.
ففي يوم الثلاثاء 29 مايو/أيار 1453، قام المسلمون بتغطية الرموز المسيحية في الكنيسة بعد تحويلها إلى مسجد، وأقاموا فيها صلاة العصر بإمامة سابع سلاطين الإمبراطورية العثمانية.
5- اللغة العثمانية تتصدر لوحة جامع "آيا صوفيا"
رغم أن الأتراك تخلوا عن استخدام الحروف العربية منذ عام 1932، فإن الحكومة الحالية اختارت كتابة اسم "جامع آيا صوفيا كبير شريف" بالأحرف العربية التي استخدمها العثمانيون قبل تأسيس الجمهورية التركية الحديثة.
لا بد من الإشارة إلى أن استخدام اللغة العثمانية – التي تُكتب بالأحرف العربية – يعدُّ أمراً عادياً في اللوحات القديمة للمساجد التاريخية في تركيا، لكن اعتمادها في لوحة مسجدٍ جديدٍ وتقديمها على اللغة التركية الحالية يحمل دلالةً سياسيةً بحسب بعض المراقبين.
فاستخدام الأحرف العربية يعدُّ خطوةً رمزية للتأكيد على التصالح مع التاريخ العثماني لتركيا، في استكمالٍ لمشروع التصالح الذي بدأه حزب "العدالة والتنمية" الحاكم منذ وصوله إلى السلطة في عام 2002.
6- نشر أنشودة بـ 9 لغات تتحدّثها شعوب إسلامية مختلفة
قبل ساعات من موعد إقامة أول صلاة في جامع "آيا صوفيا"، نشر الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عبر حسابه الرسمي على تويتر أنشودة تتغنّى بإعادة البناء التاريخي من متحفٍ إلى مسجد.
الأغنية التي يؤديها 12 مغنياً، جاءت بـ 9 لغات تتحدثها شعوبٌ إسلامية، وهي: العربية، والتركية، والقرغيزية، والبوسنية، والألبانية، والأذربيجانية، والكردية، والبنغالية، والسواحلية.
ويعتبر إنتاج أنشودة بـ 9 لغات مختلفة، إشارةً إلى أن "آيا صوفيا" مسجدٌ ذو رمزية ويهم جميع الشعوب الإسلامية، وليس مقتصراً على الأتراك وحدهم.
7- خطيب الجمعة يصعد المنبر بسيف الفاتح
خلال صعوده إلى منبر "آيا صوفيا" ليخطب بالمصلين يوم الجمعة 24 يوليو/تموز 2020، حمل رئيس الشؤون الدينية التركية علي أرباش سيف السلطان محمد الفاتح الذي ظلّ ممسكاً به طوال الخطبة.
ورد عن النبي محمد أنه كان يتكئ على عصاه أو قوسه خلال صعوده إلى المنبر وإلقائه خطب الجمعة.
أما في العُرف العثماني، فإن إمساك الإمام للسيف باليد اليُمنى يُراد به تخويف العدو، أما تلقّفه باليسرى فإشارة إلى إعطاء الأمان وعلامة على الثقة بالطرف الآخر، حسبما أشار التفزيون الرسمي لرئاسة الشؤون الدينية التركية.
من المؤكد أن استخدام أرباش لسيف السلطان محمد الفاتح في هذه المناسبة تحديداً، يحمل رسائل سياسية تؤكد على قوة تركيا.
8- أنشودة بطولات "15 تمّوز" تنطلق من أمام الجامع
احتفالاً بالذكرى الرابعة لفشل محاولة الانقلاب على الرئيس أردوغان، نشر رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين الطون أنشودة تتغنى بالبطولات التي سطّرها الأتراك في 15 يوليو/تموز 2016.
الأنشودة التي أدّتها الفرقة الموسيقية العسكرية العثمانية المعروفة باسم "مهتر"، أظهرت أعضاء الفرقة أمام "آيا صوفيا" تحديداً، في إشارةٍ إلى مدى أهمية هذا المبنى واعتباره رمزاً وطنياً.
عربي بوست
تعليقات
إرسال تعليق